المسألة :
تنازع رجل ومطلقته في حضانة ابن وبنت لهما فوق السابعة والأم تريد أن تتزوج بأجنبي عن الأولاد والأب كثير السفر(كابتن طيار) والغالب عليه أنه لا يتم له أسبوع في مقر إقامته مع أولاده ، فمن الأحق منهما بالحضانة ؟
الجواب :
المقصد الأساس من الحضانة هو حفظ الولد وصيانته في دينه ودنياه وهذا أمر متفق عليه فيكون هو المرجع في تحديد من هو الأحق بها من الأبوين ، والغلام بعد السابعة إنما يخير بين أبويه إذا تساويا في حفظه وتحقيق مصالحه أما إذا علمنا أن أحدهما سوف ينشغل عنه فلا خيار له حينئذ ، فالذي يظهر في مسألتنا هذه أن الأم هي الأقدر على حفظه ومتابعة شؤونه من أبيه وإن كانت ستتزوج لأن المتعارف عليه أن الرجل المقبل على الزواج من مثل هذه المرأة يعلم أنها سوف تنشغل عنه بعض الوقت في شؤون ابنها للاطمئنان عليه والشرط العرفي كالشرط اللفظي فيكون له حكم الشرط في العقد (1) فلا ضرر على الابن حينئذ ، والفقهاء إنما اشترطوا عدم كون الأم متزوجة بأجنبي من المحضون في حال كون المحضون صغيرا لم يبلغ السابعة لأن الصغير يحتاج إلى الرعاية والعناية بصفة دائمة غير منقطعة ما قد يتعارض مع حق الزوج الجديد فالتقصير حينئذ لن ينفك عنها سواءً في حق الزوج أو الولد ويؤيده ما نقله مهنا عن الإمام أحمد أنه قال : " إذا تزوجت الأم وابنها صغير أُخذ منها " (2) ، أما حين تكلموا في باب حضانة من بلغ السابعة فلم يشترطوا ذلك بل ذكروا تخييره بين أبويه بقطع النظر عن كون أمه متزوجة أو غير متزوجة والعلة ظاهرة كما سبق بيانه ، وقد نص الفقهاء على أنه إذا أراد أحد الأبوين السفر لا للإقامة الدائمة بل لحاجة مؤقتة فالحضانة للمقيم منهما. (3)
هذا فيما يتعلق بالابن أما بالنسبة للبنت فيقال فيها ما قيل في الابن إلا أن فقهاء الحنابلة المتأخرين ذكروا أن والدها أحق بها بعد السابعة وهي رواية عن الإمام أحمد وذكروا لذلك علتين أولاهما أنه أقدر على حفظ عرضها والثانية أن له عليها ولاية التزويج ، ولا شك أنهم رحمهم الله إنما أرادوا من كان مقيما مع ابنته دائما أو في أغلب الأيام وإلا فكيف يتصور رعايته لها وحفظه لعرضها فإنها إذا ستبقى وحدها منفردة وبقائها هكذا وحيدة ممنوع في رأي الفقهاء أنفسهم كما نصوا عليه (4) أما الرواية الأخرى عن الإمام أحمد وهو مذهب الجمهور أنها تكون عند الأم وإن بلغت سن الزواج ، قال ابن القيم : هي الأشهر عن أحمد وأصح دليلا (5) وليس في بقائها عند أمها خطورة على عرضها بل قد تكون الأم أحفظ لها من أبيها لعظم شفقتها والواقع الذي نعيشه اليوم يشهد بذلك فالغالب أن الأم هي التي تهتم بشؤون أولادها والأب مشغول في تجارته أو غيره من أشغال المعاش الدنيوي، وكذلك فإن بقائها عند أمها ليس فيه تفويت لحق الأب في ولاية التزويج فمن رغب فيها فليخطبها من والدها ولن يصح عقد نكاحها إلا بموافقة وليها الشرعي وهو أبوها فلا تعارض إذا بين بقائها عند أمها وبين ولاية أبيها عليها في الإنكاح والتزويج هذا على فرض كونه مقيما معها أما إن كان كثير السفر كما هي الحال فالأم بالاتفاق أحق بحضانتها ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله عنه ابن قاسم في حاشيته : " وأحمد وأصحابه إنما يقدمون الأب إذا لم يكن عليها في ذلك ضرر ، فلو قدر أنه عاجز عن حفظها وصيانتها ويهملها لاشتغاله عنها ، والأم قائمة بحفظها وصيانتها فإنها تقدم في هذه الحال ، فمع وجود فساد أمرها مع أحدهما فالآخر أولى بها بلا ريب " . اهـ (6) فيتبين من هذا وما سبق ذكره أن الأم هي الأولى والأحق بحضانة أولادها من الأب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(1) انظر إعلام الموقعين لابن القيم (4/318) .
(2) المغني لابن قدامة (11/420)
(3) انظر المنتهى (4/473) والإقناع (4/81) .
(4) انظر على سبيل المثال الإقناع (4/80) .
(5) حاشية ابن قاسم (7/162) .
(6) المصدر السابق