تتداعى الأفكار ويتئد القلب كلما رسمت واسترسلت الكلمات عن مدينة الدباغة تلكم المدينة الفتية التي خرجت من رحم الأم الرؤوم ودمدني المدينة الساحرة الفاتنة بشبابها ونيلها الأزرق الدفاق الذي كلما انتابه موج اراح بخرير مياهه ضفتاه الغناء ، والقباب الشاهقة وسطا وغربا وشرقا وشمالا وجنوبا ، فلنقف ونتأمل تلكم الاتجاهات ونتذكر هذه القباب ونترحم على الشيوخ الأجلاء ونقرأ الفاتحة على أرواحهم الطاهره . الدباغة جزء من كل , الجزء الذي اعتبرناه مدينة لا حي نسبة لعبقرية المكان وعراقتة ، ومن هنا أناشد جميع الاخوة والأخوات الى تناسي الخلافات والنظر الى الأمام بالتفكير المثمر الاستراتيجي والعمل من أجل نهضة وتنمية الدباغة التي تحتاج الينا جميعا بكل سحناتنا وألواننا دون اقصاء أحد أو عزله والاحجام عن فكره ، لأن الفكرة بذرة والبذرة تزرع والزرع ينمو وي . . .الخ ، اذا عبقرية المكان وعظمته تأخذنا في سياحة دباغية بحته لنتذكر أهل العلم والعلماء وخلاوى القرآن المنتشرة في ربوع مدينة الدباغة العريقة خاصة في الناحية الشمالية والشرقية ونذكر منها خلوة الفكي (آدم حسن )رحمة الله الملقب بسينا ، اذ أذكر منذ أن كنا أطفالا صغارا ندرك أن السيادة لله وحده وأن الله واحد فطرة ويغينا ، ولكن لقب السيادة أطلق عليه لأنه يدير الخلوة بكلمتة القوية وآرائه النيره الصالحة لكل تلاميذ الخلوة ، يدرها وهو جالسا على الكرسي أو واقفا ، الجميع يعلم بأن كلمته نافذه وواحده لأنه يتخذ القرار بناءا عن حكمه ودرايه كامله لما بعده . لقد قام الفكي آدم حسن رحمة الله باصلاح الأرض من حوله واهتم بتنجيلها وتشتيلها قال تعالى : ( وآية لهم الأرض المتة فأحييناها فأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ) (سورة ياسين : 33) بل سخر كل طاقات التلاميذ في الخلوة تجاه هذه المدارس ( مدرسة القسم الثالث بنين ( أ )بالدباغة ومدرسة القسم الثالث بنات ( أ ) لجعلها ذات بيئة مدرسية جازبه وهذا ما يطلق عليه علماء التربية اصطلاحا بالتربية الزراعية أو الفلاحة المدرسية . فأذكر شجيرة الجهنمية التي أطلق عليها هذا الاسم من قبل التلاميذ لاستخدام فروعها لعقابهم ولشدة الألم عند الضرب بها . والثواب والعقاب أحد أساليب التربية الذي استخدم في الاسلام وله دوره الكبير في العملية التربوية ، وكما استخدم الفكي آدم حسن رحمة الله اسلوب العقاب استخدم اسلوب الثواب فيحفز التلاميذ بأساليب مختلفة ، مثل : الاعلان أمام التلاميذ بنجابة أحدهم، الاعفاء من رسوم الدفع كل سبت ، والاهتمام بالتلاميذ الأذكياء، وأعطاء البليلة والفطور لا عطفا ولامسكنة بل لأنه شاطر ومجتهد . وتخالجني ذكرى الى بليلة الخلوة التي تتكون من العيش بأنواعه المختلفة ( فتريته ،طابت ، وزن عشرة ، مايو،هجين عدسيه ، لوبه بيضاء ، لوبه عفن . . . الخ ، ويعد لها متكئا وسط الخلوة في قدر كبير يوضع على نار متقدة وبعد الاستواء توزع على التلاميذ كل في انائه الخاص . واذكر ربطنا للساعة الثالثة بالربيت ( رقائق من اللحم المشوي ) ونقول ساعة ثلاثة ربيت كموده ، وكموده اسم امرأة تبيع الربيت في منزلها القريب من الخلوة حوالي 80 مترا من الخلوة . وهناك من يذهب الى البحر للأستحمام التنزه هاربا من النظام الصارم في الخلوة ومن يذهب الى الموردة ليسلم على أهلة وعشيرته ومنيذهب الى النيافة لشراء النيفة أرجل (البقر والضأن والرأس ، الذي يقال له باسم ) وشراب الشوربه واللعب بميدان الشعلة ، ومن يذهب الى القهوه لشراء الفطور هاربا من فطور سينا . وعند عودتنا الى الخلوة ، هل الخروج من الحمام مثل الدخول اليه ؟ طبعا لا وألف لا ، لأن في الخلوة حراس وفي النظام المدرسي يقال لهم ( الألفا) يتابعون حركة التلاميذ داخل وخارج الخلوة ورفع التمام الى الفكي عن الحضور والغياب ، وأقصى عقوبة للغياب تكون ( على اللحمه: والتي تعني الضرب المبرح ) وفي طريق عودتنا الى المنزل نذهب الى المورده لأخذ لحاء الخشب الجاف لاعداد الطعام في المنزل بناءا على توجيهات الأسرة . ويحمل كل واحد منا أدواته مثل الخابور والسكين والبال والحبل فقد تصادفك عقرب داخل الحطب أو تطئ سريحة حطب الدوم أو شوكة ، فكل شئ محفوف بالصعاب والمخاطر ونأخذ الحطب من ( الحطابة ) نسبة الى الحطب وتفرح الأسرة بقدوم الفارس الهمام ، الشجاع ، رزام التقيلة ، وهكذا اخوتي أعضاء المنتدى سردت لكم مايوحي بذاكرتنا هذا الشهر عن الخلوة العريقة التي خرجت العلماء والأدباء والأساتذة والقادة الذين يعطوا بسخاء ونكران للذات دون توقف وعطائهم مستمر دون كلل ولا ملل ولا نريد ذكر الأسماء لنحفظ لكل واحد حقه ، فالحق يقال : أن الفكي آدم حسن رحمة الله بزل الغالي والنفيس لتربية الأجيال وتعليمهم حفظ القرآن ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) ويقول النبي الكريم ( بغوا عني ولو آية ) . وأمر التربية رسالة ويحتاج الى الغدوة الحسنة المتمثلة في خير الأنام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقة القرآن قال تعالى : ( وانك لعلى خلق عظيم ) ( سورة القلم : 4 ) ويحتاج كذلك الى قوة الارادة وخاصة الادارة التربوية لأن التربوي يشكل الانسان ويصغلة لكي يخرجه لحياة المواطنة الصالحة . ولنقف اجلالا وتكريما لكل من ينشر العلم والمعرفه بين الناس وخاصة شيوخ الخلاوى الجنود المجهولون ، ويقول عبدالله بن مسعود أبحث عن ثلاثة : ( عن مجالس الذكر ، عن سماع القرآن ، وفي الخلوة ) . وفي الختام اخوتي أعضاء المنتدى سألتقيكم في صفحتنا ( من وحي الذاكرة ) انشاء الله ، ولكم مني كل المنى ، وكل عام وأنتم بخير
د. محمد حافظ محمد صالح